كان اليوم ممطرًا، وأجواء العطلة تع** هدوءًا غريبًا في المنزل. في المطبخ، كانت إيميليا، الأم الشابة ذات البشرة الشاحبة، تعد الغداء بعناية، لكن التعب كان يبدو واضحًا على وجهها. شعرها البني المائل إلى الشيب في بعض خصلاته، يع** سنوات من العمل الشاق والضغوط النفسية. كانت متوسطة القامة، نحيلة، وعينيها العسليتين كانتا تحملان نظرة حزينة تكشف عن همومها التي لا تنتهي.
بينما كانت تعمل في المطبخ، كان زوجها بينجامين، الرجل الخمسيني الذي يع** وجهه الكثير من قسوة الحياة، جالسًا على الكنبة يتابع الأخبار. بطنه المنتفخ وشعره الأ**د الرفيع الذي بدأ يشيب، يع**ان سنوات من الجهد المرهق. كان عينيه السوداوين تخفيان خلفهما طبقة من الصلابة والتسلط. نظر إلى الساعة المعلقة على الحائط، ثم نظر إلى ابنته الوحيدة، إيفا، وقال بنبرة حادة: "إيفا، جهزي المائدة. صديقي سيأتي."
إيفا، البالغة من العمر 16 عامًا، كانت تعاني من تنمر زملائها في المدرسة . كانت قصيرة القامة وبشرتها بيضاء، لكن ملامح وجهها كانت تحمل سمة النضج المبكر بسبب الظروف التي نشأت فيها. سارعت إلى تنفيذ أوامر والدها وقالت: "أااا حاضر، حاضر..."، ودخلت إلى المطبخ مسرعة لتجد أمها جالسة على الطاولة، تبكي في **ت.
تقدمت إيفا بخطوات هادئة نحو أمها وسألتها بصوت خافت: "أمي، ما بك؟" أجابتها إيميليا بصوت متقطع: "إن والدك دائمًا يحبطني، يعاملني بقسوة لأتفه الأسباب." لكنها مسحت دموعها بسرعة وقالت: "لنجهز الطاولة، صديق والدك سيأتي."
مرّت دقائق قليلة حتى رن جرس الباب، ففتحت إيميليا الباب مرحبة بالضيف. كان جوني، صديق زوجها بينجامين في العمل، طويل القامة وعريض الص*ر. شعره الأشقر الداكن كان يلمع تحت الأضواء الداخلية، وعيناه البنيتان كانتا لامعتين وهادئتين. كان يبدو في الثلاثين من عمره، وقد جاء إلى المنزل كثيرًا في الماضي. دخل وأزال نعليه ووضع معطفه، وهو يحمل كيسًا قدمه لإيميليا التي أخذته بابتسامة، وأغلقت الباب خلفه.
قال بينجامين بتعجرف: "ادخل يا جوني، الغداء جاهز. إيميليا، أحضري العصير. أين هو؟ أم أطلب منك إحضاره؟" رد جوني وهو يرفع يده بتواضع: "اهدأ يا رجل، لا داعي لكل هذا التوتر." شعرت إيميليا بالإحباط، لكنها لم تعقب. نادت على إيفا التي دخلت مسرعة، وأحضرت العصير. بدأ بينجامين في تناول الطعام بينما بقي جوني يراقب بهدوء.
قال جوني: "ألن ننتظر السيدة إيميليا؟" رد بينجامين بنبرة استفزازية: "إن أردت انتظرها، لكن لا داعي لذلك." ثم قالت إيفا بسرعة: "أمي قالت إن معدتها تؤلمها ولا تستطيع تناول الغداء." استغرب جوني وقال: "هل نشتري لها دواء؟" أجاب بينجامين بجفاء: "لا داعي، فهي لديها أدوية."
هنا، شعرت إيفا أن كلمات والدها كانت جارحة جدًا. توقفت عن تناول طعامها، وحاولت أن تخفي مشاعرها.
قال لها والدها بنبرة حادة: "أنت مجبرة على إكمال طبقك قبل أن تنهضي من الطاولة."
بينما كان الجميع في حالة من التوتر، قاطع جوني حديثهم وقال: "ما رأيكم أن نذهب لمطعم جديد في المدينة الليلة؟ من يريد أن يأتي؟" رد بينجامين بنفاد صبر: "لا، أنا الليلة أريد أن أنام جيدًا."
ثم استدار جوني وقال مبتسمًا: "إذن، هل تذهبين معي، إيفا؟" قال الأب بتصلب: "لا أظن أنها جاهزة للذهاب. إنها لا تنجز واجباتها، ومتراخية في دراستها. لا أرى أنه من الأفضل أن تذهب."
رد جوني وهو يحاول تهدئة الوضع: "بينجامين، المراهقون يحتاجون إلى فهمنا واهتمامنا. تأكد أنها ستستمتع وتعود لإنجاز دروسها بعد الخروج."
تراجع بينجامين قليلاً وقال بتردد: "أممم، ربما أنت محق. خذها إذًا، لكن حاول أن تفسر لها أهمية الدراسة." أجاب جوني بثقة: "ثق بي، سأتحدث معها."
كانت إيفا في تلك اللحظة، أكثر من أي وقت مضى، متحمسة. شعرت بشيء من الحرية بعيدًا عن نظرات والدها القاسية.
بعد العشاء، خرجت إيفا مع جوني، وركبا السيارة. بينما انطلقت السيارة عبر الطرق المبللة، كان المطر يضيف إلى اللحظة سحرًا خاصًا. الأضواء تتراقص على الزجاج المبلل، وكانت إيفا تشعر بشيء من الراحة. لأول مرة منذ فترة طويلة، شعرت أنها قادرة على الهروب ولو مؤقتًا من عالمها الصعب.
Waiting for the first comment……
Please log in to leave a comment.