كان الهواء البارد يلامس وجه إيفا من خلال نافذة السيارة التي كانت تهتز تحت تأثير المطر الغزير. في المقعد الأمامي، كان جوني يقود السيارة بكل هدوء، لكن عينيه كانتا تراقبانها بين الحين والآخر. لم يستطع إلا أن يلاحظ التوتر الذي يظهر على وجهها، رغم محاولاتها إخفاءه.
"تبدين متحمسة جدًا، إيفا," قال جوني وهو يبتسم برقة.
أجابته بنبرةٍ هادئة لكنها تحمل داخلها مشاعر متناقضة:
"نعم، أنا كذلك... لكن هذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام."
أدار جوني نظره نحو الطريق، لكنه ظل يشعر بالقلق على صديقتها. كان يعلم أن شيئًا ما كان يثقل قلبها، فقال بهدوء:
"ما الذي يحدث في المنزل؟ لماذا والدتك لا تريد تناول العشاء معكِ؟"
شعرت إيفا بضغطٍ في ص*رها وكأن كل كلمة تقال تزيد من ثقل الوضع في قلبها. كانت تعرف أنه ليس من السهل الحديث عن هذا الأمر، لكن هناك شيئًا في جوني جعَلها تشعر بالأمان فتحدثت:
"أبي، جوني، هو السبب. كلما حاولت أمي أن تسعد، يأتي هو ليفسد كل شيء. دائمًا ينتقدها ويستهزئ بها... يعاملها وكأنها أقل من أن تكون شريكته. وأنا... أنا لم أعد أتحمل هذا الصراع بينهما."
جوني **ت لبضع لحظات وهو يقود السيارة بحذر، ثم قال بصوت منخفض لكنه مليء بالجدية:
"أنا آسف لسماع ذلك، إيفا. لكنكِ أقوى مما تعتقدين. الحياة ليست دائمًا سهلة، لكننا يمكننا إيجاد طريقة للتعامل مع هذا."
عندما ركن جوني السيارة أمام المطعم، نزل من السيارة أولًا وساعد إيفا على الخروج، ثم أمسك بيدها برفق. دخلوا إلى المطعم، حيث كان المكان هادئًا وأجواءه دافئة، لكن قلب إيفا كان لا يزال في صراع داخلي. جلسا على الطاولة، وجوني بدأ الحديث من جديد:
"أعرف أننا تناولنا العشاء مسبقًا، لكنني أردت أن أريك المكان... أنتِ بحاجة لبعض الهدوء."
ابتسمت إيفا بابتسامة خفيفة، كان يبدو أن كلمات جوني كانت تخفف قليلاً من عبئها، فقالت:
"أنت لطيف جدًا، جوني. شكرًا."
عندما عرض عليها قائمة الطعام، نظر إليها بابتسامة دافئة:
"ماذا تودين أن تأكلي؟"
"لا شيء الآن... ولكن سأطلب عصير الفراولة."
وفي تلك اللحظات، بينما كان جوني يتحدث مع إيفا بكل لطف واهتمام، كان المنزل في مكان آخر يعيش مشهدًا مختلفًا تمامًا. داخل الجدران التي كانت مليئة بالصراخ والفوضى، كان بينجامين يوجه الشتائم إلى زوجته إيميليا، وعينيه ملؤهما الغضب. الصوت المرتفع يكاد يملأ أرجاء المكان.
"أنتِ لا شيء! لا تستحقين أي شيء من هذا! أنا من ينفق عليكِ وأنتِ هنا تشتكين."
إيميليا كانت تبكي ب**ت، لا تعرف كيف ترد على تلك الكلمات الجارحة. بينما كان بينجامين يلقى بالأشياء حوله في موجة من الغضب، كانت إيميليا تجد صعوبة في التنفس من شدة القهر.
في تلك اللحظة، كانت إيفا جالسة مع جوني، تخبره عن معاناتها، قائلة:
"الجميع يسخر مني بسبب شعري الأزرق، أخبرت أمي أنني أريد صبغه، لكنها قالت لي: لا، ستتلف شعركِ. المنزل دائمًا مليء بالمشاكل... أحيانًا أختلق الأعذار كي أغيب عن المدرسة، وعندما طلبت المديرة أن يأتي أحد والدي، شعرت وكأنها ستتصل بهم."
جوني، الذي كان دائمًا في موقف المتفهم والمستمع الجيد، فكر للحظة ثم قال:
"ماذا لو ذهبت أنا بدلاً عن والد*ك؟"
إيفا نظرت إليه بدهشة، ثم ابتسمت، رغم الحزن الذي يملأ عينيها:
"هل ستفعل ذلك؟"
"بالتأكيد. ولكن عليكِ أن لا تخبريهما."
"أعدك أنني لن أخبرهم."
كان هذا لحظة ارتياح صغيرة في عالم مليء بالصراعات. ثم أضاف جوني بابتسامة:
"رائع! إذًا، هل تأخذيني إلى المنزل الآن؟"
"بالطبع."
خرجوا معًا من المطعم، وعندما وصلوا إلى منزل إيفا، كان الجو في المنزل مختلفًا تمامًا. كان الهدوء يخيم على المكان، لكن قلب إيفا كان ينبض بسرعة من التوتر. دخلت إلى المنزل، ووجدت والدها في حالة من الغضب، كما هو معتاد، وكانت الفوضى تملأ المكان.
"أمي، أبي... هل أنتما بخير؟" نادت بصوت خافت.
لكن بينجامين، الذي كان غاضبًا كما هو، رد عليها بكلمات قاسية:
"أنتِ لا تعني شيئًا لي، تذهبين وتأتين كما تشائين، أليس كذلك؟ اذهبي إلى غرفتكِ."
"لكن، أبي... ماذا فعلتُ؟" حاولت إيفا تفسير نفسها.
"أنتِ سبب تعاستنا! حتى دراستكِ تراجعت! أنا من أؤمن لكِ كل شيء، وأنتِ لا تقدرين ذلك."
دموع إيفا انهمرت فجأة، ولم تستطع أن تظل صامتة أكثر. كانت الكلمات القاسية تجرح قلبها بشدة. بينما كانت تحاول التماسك، قالت بصوت مرتجف:
"أبي، لماذا تقول هذا؟"
لكن الرد كان سريعًا وقاسيًا:
"اخرسي واذهبي إلى غرفتكِ."
دخلت إيفا غرفتها، وأغلقت الباب وراءها، وانهارت في بكاءٍ مرير. كان قلبها مثقلًا بكل تلك الكلمات القاسية، وكل الأفكار التي كانت تدور في عقلها. لماذا يقول لها والدها هذا؟ هل ما قاله صحيح؟ كانت لا تزال تفكر في تلك الأسئلة بينما جلست على سريرها، محاطة بالظلام، ولم تجد إجابة سوى الألم.
Waiting for the first comment……
Please log in to leave a comment.