مرت الأيام ثقيلة على إيفا، كانت تتردد برفقة جوني إلى المستشفى، متشبثة ببقايا الأمل في أن تتحسن حالة والدتها. لكنها كانت تزداد ضعفًا يومًا بعد يوم، وملامحها التي لطالما كانت دافئة تحولت إلى شاحبة وهزيلة.
في إحدى الليالي، جلست إيفا بجانب سرير والدتها، تمسك بيدها الباردة وتهمس لها بصوت مرتجف:
"أمي… لا تتركيني، أرجوكِ."
لم تكن هناك إجابة… فقط صوت الأجهزة الطبية التي تسجل نبضاتها الضعيفة. كانت عينا جوني تراقب المشهد ب**ت، يدرك أن النهاية تقترب، لكنه لم يكن يعرف كيف يواسيها.
في صباح اليوم التالي، عندما عادت إيفا برفقة جوني للزيارة، وجدت الأطباء والممرضات في حالة استنفار، وجسد والدتها بلا حراك على السرير. اقترب الطبيب، ونظر إليها بأسف قبل أن ينطق بالكلمات التي مزقت قلبها:
"أنا آسف… لقد فارقت الحياة قبل ساعة."
شعرت إيفا وكأن الهواء قد سُحب من رئتيها، تراجعت خطوة إلى الوراء، نظرت إلى والدتها وهي ممددة بسلام مخيف، ثم هزت رأسها بإنكار:
"لا… لا… هذا لا يمكن أن يحدث!"
جثت على ركبتيها بجوار السرير، أمسكت يد والدتها الباردة وضمتها إلى ص*رها، دموعها تتساقط بغزارة، لكنها لم تكن تسمع سوى ال**ت. لم يكن هناك رد. لم يكن هناك نبض.
رحلت إيميليا…
وقف جوني خلفها، عينيه تملؤهما الحزن، لكنه لم يقل شيئًا. لقد عرف شعور فقدان شخص عزيز، لكنه لم يعرف كيف يساعدها في مواجهة هذه الصدمة.
بعد أيام من الجنازة، كان المنزل فارغًا. إيفا لم تتحدث كثيرًا، كانت تجلس في الزاوية تحدق في الفراغ، عيناها متورمتان من البكاء. كانت تدرك أن حياتها تحطمت بالكامل في لحظة.
لم يعد هناك منزل… لم تعد هناك عائلة… لم يعد هناك سوى الفراغ والخوف مما سيأتي.
أما جوني، فقد بقي بجانبها، يراقبها ب**ت. كان يعلم أن الوقت لم يحن لإخبارها بالحقيقة بعد… لكنها لم تعد مجرد فتاة عادية، والآن بعد أن فقدت والدتها، أصبحت أكثر هشاشة، وأكثر عرضة لما قد يواجهها في المستقبل.
كانت وفاة إيميليا ليست مجرد خسارة شخصية… بل كانت بداية لعاصفة أكبر قادمة في طريق إيفا.
لم تكن إيفا قد استعادت توازنها بعد وفاة والدتها، كان كل شيء حولها ينهار، وكأن الحياة تأبى أن تمنحها لحظة راحة. لكن الأسوأ لم يكن قد حدث بعد…
في اليوم التالي للجنازة، وبينما كانت إيفا تجلس في المنزل، تحتضن وسادة والدتها كما لو كانت آخر شيء يربطها بها، دوّى صوت جرس الباب. وقفت بتثاقل، عيناها محمرتان من كثرة البكاء، وفتحت الباب بيد مرتعشة.
كان هناك رجل ببدلة رسمية، يحمل في يده ملفًا سميكًا، وبجانبه شخصان بدا أنهما موظفان قانونيان.
"الآنسة إيفا روز؟" سأل المحامي بنبرة رسمية.
أومأت ببطء دون أن تفهم تمامًا ما يجري.
"أنا محامي الشركة المالكة لهذا ال*قار، ووفقًا لل*قد المبرم، فإن هذا المنزل تم الاستيلاء عليه قانونيًا لسداد ديون والدك الراحل. لد*ك حتى المساء لمغادرة المكان."
اتسعت عينا إيفا، كأن صاعقة ض*بتها في لحظة.
"ماذا؟ لا… لا، لا يمكنكم أخذ منزلي!" هتفت بصوت مهتز، وكأنها تحاول أن ترفض الواقع بالقوة.
تن*د المحامي، وكأنه اعتاد على سماع هذا النوع من الرفض، وقال ببرود: "أنا آسف، ولكن هذا قرار قانوني. لا يمكنكِ البقاء هنا بعد اليوم."
تراجعت إيفا بضع خطوات، نظرت حولها، إلى الأثاث، إلى الصور المعلقة، إلى كل ذكرياتها… كل شيء على وشك أن يُسلب منها. لم يتبقَ لها شيء بعد الآن.
انهارت على ركبتيها عند الباب، وضعت يديها على وجهها وبدأت تبكي بحرقة، دموعها تسقط على الأرض الباردة.
كان جوني قد وصل لتوه، وعندما رأى المشهد أمامه، أدرك فورًا ما حدث. تقدم بخطوات سريعة، أمسك بكتف إيفا بلطف، ثم نظر إلى المحامي بحدة:
"ألا ترون حالتها؟ لا يمكنكم طردها بهذا الشكل!"
لكن المحامي لم يكن متأثرًا بكلامه، وأشار إلى الأوراق ببرود: "هذه ليست مشكلتنا. القانون واضح، وإذا لم تغادروا طوعًا، سنضطر لاستدعاء الشرطة."
نظر جوني إلى إيفا التي كانت تهتز من البكاء، ثم زفر بغضب. لم يكن هناك وقت للجدال، كان عليه أن يأخذها بعيدًا قبل أن تزداد الأمور سوءًا.
انحنى نحوها وهمس بصوت هادئ: "تعالي معي، لن أدعهم يؤذونك أكثر."
لكنها لم تجب، فقط استمرت في البكاء كأنها طفلة صغيرة فقدت كل شيء. لم يكن أمامه خيار سوى حملها بلطف، بينما كانت تقاوم بضعف وتهمس:
"أريد أمي… أريد العودة للمنزل…"
لكن المنزل لم يعد موجودًا… ولا الأم… لم يبقَ لها سوى الفراغ.
كانت إيفا قد وصلت إلى نقطة الانهيار. لم يعد جسدها قادرًا على تحمل كل هذا الألم، كل هذا الفقدان المتتالي. بين صدمة وفاة والدتها وضياع منزلها، لم تجد في الحياة سوى الظلام والضياع.
كانت جالسة على الأرض، جسدها يرتجف، أنفاسها متقطعة، ودموعها تبلل خديها. حاولت آنا، صديقتها المخلصة، أن تهدئها، أن تمنحها أي شعور بالأمان، لكنها لم تجد الكلمات المناسبة.
"إيفا، أرجوكِ، تنفسي ببطء…" همست آنا، لكن إيفا لم تستجب.
بدأت تشعر بدوار شديد، عالمها بدأ ينهار حرفيًا أمام عينيها. قبل أن تتمكن من قول أي شيء، انطفأ وعيها، وسقطت بين ذراعي صديقتها.
"إيفا!" صرخت آنا بذعر، وهي تحاول هزها بلطف، لكن لم يكن هناك أي رد.
لم يتردد جوني لحظة عندما رأى المشهد، أسرع نحوها وحملها بين ذراعيه بخفة، لم يكن هذا وقت التردد أو الخوف. قلبه كان يخفق بقوة، لكنه أخفى توتره خلف نظراته الجادة.
"سآخذها إلى الطبيب، لا وقت لنضيعه." قال بصوت ثابت، ثم تحرك بسرعة خارج المكان.
كان جسد إيفا بارداً بشكل مخيف، وكأن الحياة بدأت تتلاشى منها. ضغط جوني على أسنانه بغضب على نفسه، لماذا لم يكن أسرع في حمايتها؟ لماذا كان عليها أن تمر بكل هذا وحدها؟
كان يعلم أن هذا مجرد بداية، وأن الحقيقة التي يخفيها عنها ستجعل كل شيء أكثر تعقيدًا.
Waiting for the first comment……
Please log in to leave a comment.