في قلب القاعدة العسكرية، حيث تصطف المباني الضخمة ذات الجدران الحديدية، كانت ساحة التدريب تعج بالحركة.
صفوف من الجنود، من مختلف الأعمار والخبرات، يتحركون بانضباط تام، يركضون عبر المسارات، ويتدربون على القتال بأسلحة متنوعة. أصوات السيوف المتصادمة، والطلقات التدريبية، والصيحات العسكرية، تتداخل مع وقع الأقدام الثقيلة فوق الأرضية الصلبة.
في زاوية الساحة، كان بعض الجنود يتدربون على الاشتباك المباشر، يتبادلون الض*بات تحت إشراف قادتهم، بينما آخرون يرفعون الأوزان الثقيلة أو يدرسون خرائط المعارك السابقة. الجو كان مشحونًا بالحماس والجدية، كأن الجميع يستعد لمعركة قادمة لا محالة.
وسط كل هذا الصخب، فُتح الباب المعدني الضخم عند مدخل القاعدة، لتتوقف التمارين للحظة قصيرة، عندما خطا تايلور إلى الداخل.
بزته العسكرية السوداء الموشحة ب*عارات الوحدة تبرز جسده القوي، أما شعره الأحمر الناري، فقد زاد من هيبته وسط الجنود. عيناه كانتا حادتين كالصقر، تمسحان المكان قبل أن يتقدم بثقة. لم يكن وحده، بل تبعه كل من ويليام، صاحب النظرات الجادة، وفريدريك الذي بدا أكثر هدوءًا من المعتاد، لكن ملامحه تخفي توترًا خفيفًا.
شق الثلاثة طريقهم عبر الممرات الطويلة، حتى وصلوا إلى باب معدني ثقيل يحمل ختم القائد. تبادلوا نظرات سريعة قبل أن يطرقه تايلور بثبات. لحظات مرت قبل أن يأتيهم صوت قوي من الداخل:
"ادخلوا."
فتح الباب ببطء، وانبعث منه ضوء خافت، ليكشف عن غرفة واسعة، جدرانها مليئة بالخرائط والتقارير العسكرية، وفي منتصفها، جلس القائد خلف مكتبه.
رفع رأسه ببطء، وعيناه تلمعان بحدة، قبل أن يسأل بصوت هادئ لكنه يحمل نبرة السلطة:
"أخبروني بكل شيء... عن جون لي."
كان القائد السيد هنري يجلس خلف مكتبه المصنوع من الفولاذ الداكن، واضعًا مرفقيه فوق الأوراق المتناثرة أمامه، بينما كان يستمع بتركيز إلى تايلور، الذي كان يسرد تفاصيل التقرير بصوت ثابت.
في الغرفة، كان الضوء الخافت القادم من المصابيح العتيقة يلقي بظلال طويلة على الجدران، حيث علّقت خرائط قديمة ورسومات تكتيكية لمعارك سابقة. الجو كان مشحونًا بالتوتر والترقب، خاصة مع وجود ويليام وفريدريك اللذين وقفا على جانبي تايلور، متحفظين على بعض التفاصيل ولكن مدركين لخطورة ما يجري.
"جون لي ظهر مجددًا." قال تايلور أخيرًا، ناظرًا مباشرة إلى القائد، الذي لم يظهر عليه أي انفعال واضح.
مرّت لحظات من ال**ت، قبل أن يرفع السيد هنري بصره، وعيناه الحادتان تحدقان في تايلور وكأنه يبحث عن إجابة غير مذكورة في التقرير. ثم، وبتأنٍّ، التقط إحدى الأوراق الموضوعة أمامه، وأعاد قراءة بعض السطور بصوت منخفض قبل أن يقول:
"إذن... لم يختفِ للأبد كما كنا نظن."
لم تكن كلماته مجرد ملاحظة، بل كانت تحمل معنى أعمق، كأنه كان يتوقع ظهور جون لي عاجلًا أم آجلًا.
ويليام، الذي كان صامتًا طوال الوقت، تنحنح أخيرًا وقال: "لم يتغير كثيرًا، قوته لا تزال كما هي... بل ربما أقوى."
"أقوى؟" رفع هنري حاجبه باهتمام، واضعًا الورقة جانبًا، قبل أن يستند إلى الخلف في كرسيه.
فريدريك أضاف بصوت خافت ولكن بحذر: "لم يظهر كل أوراقه بعد، لكنه كان يقاتل كما لو أن الأمر مجرد لعبة."
ساد ال**ت مجددًا. القائد هنري لم يكن غافلًا عن هذا الاسم، وعودته لم تكن مجرد خبر عادي، بل إنذار بشيء قادم... شيء ربما أكبر من مجرد معركة ضد الأشباح.
بعد لحظات، نهض القائد من مكانه، وسار نحو النافذة المطلة على الساحة العسكرية، حيث كان الجنود لا يزالون يتدربون بلا توقف. وضع يديه خلف ظهره، ثم قال بصوت منخفض لكنه يحمل قوة لا جدال فيها:
"راقبوه عن كثب... لا نريد مفاجآت غير سارة."
Waiting for the first comment……
Please log in to leave a comment.