بينما كانت إيفا في حالة من التوتر والارتباك، قفزت من الشاحنة التي كانت تحملها إلى مكان مجهول قريب من المدينة. كان الجو مظلمًا، والهواء باردًا، ولكنها لم تلتفت خلفها. كانت تتنفس بصعوبة، وكل خطوة كانت تأخذها بعيدًا عن المقر الذي اعتقدت أنها ستكون فيه محاصرة إلى الأبد.
كانت إيفا تتجه نحو المدينة، حيث كان يفصلها عن الحرية مجرد مسافة صغيرة، لكنها لم تكن تعرف تمامًا إلى أين تذهب. الأفكار كانت تدور في رأسها بسرعة؛ عائلتها، والدها في السجن، وذكريات المهاجمين والشياطين التي تطاردها. كانت تتساءل: هل هي في أمان الآن؟ أم أن خطرًا آخر يترصدها؟ ومع كل خطوة تبتعد بها عن المقر، كان القلق يزداد أكثر.
في تلك الأثناء، كانت الحراس قد بدأوا التحرك بسرعة، يبحثون في الأماكن المحتملة حول المقر. كانوا يتبعون آثار إيفا في محاولة لتحديد أين قد تكون قد ذهبت، لكن الشاحنة كانت قد اختفت عن الأنظار قبل أن يتمكنوا من متابعتها.
جون لي كان يقود البحث بنفسه، وعينيه تشتعلان بالقلق والغضب. شعر بارتباك كبير عندما فكر في حقيقة أن إيفا قد فرت بعيدًا عنه. كان يعلم أنه قد خذلها عندما لم يتفطن لما كان يحدث في قلبها، لكنه كان عازمًا على أن يعيدها مهما كلف الأمر.
مع تقدم الليل، كانت إيفا تواصل سيرها عبر الشوارع الخالية. كانت تشعر بالضعف بعد رحلة شاقة، ولكن إصرارها على الهروب من المعسكر كان أقوى من كل شيء. على الرغم من أن قلبها كان مشبعًا بالشكوك والخوف، كانت تعلم أن لديها خيارًا واحدًا فقط: أن تواصل الهروب وتكتشف الحقيقة بنفسها.
لكن في أعماق نفسها، كان هناك شيء آخر يخفق بقوة: جون لي. هذا الرجل الذي بدأت تراوده مشاعر متضاربة تجاهه. هل كان يساعدها حقًا، أم أنه كان جزءًا من الخداع الذي تعرضت له؟
إيفا اقتربت من أقرب هاتف عمومي، ويدها ترتجف وهي تضع القروش في الفتحة. كان كل شيء من حولها يبدو ضبابيًا، كأن العالم يتماوج أمام عينيها. رأت نفسها في موقف لا تحسد عليه، لكن لم يكن أمامها خيار آخر. كانت بحاجة إلى شخص تشعر معه بالأمان، شخص يعرفها منذ زمن طويل. لم يكن أحد سوى آنا، صديقتها الوحيدة التي كانت دائمًا تدعمها، حتى في أحلك الأوقات.
أدخلت القروش وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن ترفع سماعة الهاتف. قلبها كان ينبض بسرعة وهي تتردد في الاتصال بها. كانت تخشى أن تجد نفسها في وضع أكثر تعقيدًا بعد المكالمة، لكن لا يمكنها تحمل العزلة أكثر.
عندما انتظرت آنا على الطرف الآخر من الخط، شعرت إيفا بأن صوت صديقتها هو الصوت الوحيد الذي يمكن أن يعيد لها بعض الهدوء. تحدثت بحذر، محاولة أن تخفي قلقها، وقالت بصوت منخفض:
"آنا... أنا هنا. أحتاج مساعدتك... من فضلك، لا تسألي الكثير، لكني... بحاجة للهروب من المكان هذا. أرجوك، ساعديني."
كان في صوتها شيء من الحزن، لكن في نفس الوقت كان هناك طلب واضح للمساعدة، يفضح هشاشتها في تلك اللحظة. إيفا لم تكن تعرف ما إذا كانت آنا ستصدقها أو حتى تستطيع مساعدتها، لكنها كانت تعرف أن هذا هو آخر أمل لها في الهروب.
في الطرف الآخر، كانت آنا تشعر بالدهشة والخوف عند سماع صوت إيفا، ولكن سرعان ما عادت لتكون تلك الصديقة المخلصة. قالت بصوت هادئ ولكن مليء بالقلق:
"إيفا، ماذا حدث؟ أين أنت الآن؟ سأساعدك، لكن عليك أن تخبريني كل شيء."
إيفا كانت تراقب الظلال من حولها في المكان المظلم، وحينما سمعت آنا تطمئنها، شعرت بشيء من الأمل يعود إليها. قالت بسرعة:
"أنا في مكان قريب من المدينة، لكن يجب أن أذهب الآن... لا أستطيع الحديث طويلًا. أرجوك، أرسل لي شخصًا يساعدني. أنا... أنا خائفة."
وأغلقت الخط، ثم ركضت في الاتجاه المعا**، تتنفس بصعوبة في الهواء البارد، لكن الأمل في قلبها بدأ ينمو مجددًا، فحتى وإن كانت في خطر، كان لديها الآن شخص يساعدها، وهذا جعلها تشعر بقليل من الطمأنينة.
بينما كانت إيفا تتنقل بسرعة بين الأزقة الضيقة والمظلمة، كان قلبها ينبض بشكل أسرع. كانت تعرف أنها لا تملك الكثير من الوقت قبل أن يدرك أحدهم اختفاءها. كانت قد قررت الهروب، لكن الطريق أمامها كان مليئًا بالتحديات، وكان كل شيء غريبًا وصعبًا في هذه المدينة المظلمة التي كانت تشعر وكأنها تتغير حولها.
مرت لحظات من القلق، وفي كل زاوية كانت تشعر بأن هناك من يراقبها، لكن كلما تقدمت أكثر، زادت عزيمتها. كانت تفكر في آنا، التي كانت تحاول جاهدة الاتصال بالشرطة دون أن تكون لديها أي فكرة عن مكان إيفا المحدد. لم يكن الأمر سهلاً على آنا أيضًا، لكنها كانت م**مة على مساعدة صديقتها بأي طريقة ممكنة.
في نفس الوقت، كان جون لي، تايلور، و فريدريك، بالإضافة إلى باقي أعضاء المنظمة، قد بدأوا في البحث عن إيفا. تم نشر الحراس في كل مكان، ولم يكن هناك مكان لم يُفتش. كانوا يعرفون أنها اختفت، لكنهم لم يتوقعوا أن تجد إيفا طريقة للهروب بهذه السرعة.
هنري، القائد، كان غاضبًا. لم يكن يتصور أن الأمر سيصل إلى هذا الحد. كان قلقًا بشأن سلامة إيفا، لأنه على الرغم من كل ما حدث، كان يعتقد أنها تمثل تهديدًا أكبر مما كان يُفترض. كان يجب أن يبقى الجميع هادئين ويعملوا معًا لإيجاد حل، لكن غيابه عن هذا التنسيق جعل الأمور أكثر تعقيدًا.
آنا، من جانبها، كانت تواصل محاولاتها للتواصل مع الشرطة، ولكن مع كل دقيقة تمر، كان الوقت يضيع. كانت تراقب الهاتف في يديها، تنتظر أي أخبار عن صديقتها، تشعر بالقلق والخوف عليها.
إيفا كانت تسابق الزمن، وتتبع الطريق المظلم، وكلما اقتربت من الزوايا الضيقة والشارع المظلم، كلما زادت فرصتها في الاختفاء عن أعين من يلاحقونها. لكنها كانت تشعر بضغط شديد من الداخل، لا تعرف ماذا سيحدث لها في النهاية. كانت كل أفكارها تدور حول الهروب، وبأنها يجب أن تجد مكانًا آمنًا، مهما كلفها الأمر.
مرت ساعات من البحث، لكن لم يكن هناك أي أثر لها.
كان البحث مستمرًا في أنحاء المدينة، وكل واحد من أعضاء المنظمة كان يساهم بطريقته الخاصة. جاك، الذي كان معروفًا بقدرته الفائقة على التنقل بين المباني، كان يقفز بين الأسطح بمهارة كبيرة. كانت خطواته سريعة، وفي كل مرة يصعد فيها إلى سطح جديد، كان يأمل في رؤية إيفا أو أي دليل يشير إلى مكانها. لكن، مع كل قفزة، كان يجد نفسه يواجه المساحات الفارغة والشوارع المظلمة، مما زاد من شعوره بالضغط.
أما تايلور، الذي كان يُعتبر الأذكى في المجموعة، فكان قد بدأ يبحث في الأماكن التي قد تختبئ فيها إيفا: الزوايا المظلمة، الأقبية، والأماكن الضيقة. كان يدرس كل التفاصيل بعناية، يراقب ردود فعل الناس من حوله، عسى أن يصادف شخصًا قد لاحظ شيئًا غريبًا أو قدم له أي مساعدة. كان يركز بشكل خاص على محطات الاتصال العامة، حيث كانت إيفا قد استخدمت هاتفًا عموميًا للتواصل مع آنا.
فريدريك، الذي كان يفضل العمل في الميدان مباشرة، كان يبحث في المناطق المفتوحة والشوارع المزدحمة. كان يراهن على أن إيفا ستختار مكانًا هادئًا بعيدًا عن الأنظار، حيث يمكنها أن تجد فترة من الراحة قبل أن تخطط لخطوتها التالية. كانت قوته الجسدية تساعده في مسح الأماكن الواسعة بسرعة أكبر.
أما هنري، الذي كان يدير العمليات عن كثب من خلال التواصل مع الجميع عبر الأجهزة، فكان يراقب الوضع عن كثب. كان يعلم أن الوقت لا يعمل لصالحهم، وأن كل دقيقة تمر تزيد من خطر فقدانها إلى الأبد. رغم الغضب الذي شعر به من اختفائها، كان قلقًا للغاية على إيفا، خاصة أنها كانت في حالة نفسية هشة.
لكن مع تقدم الوقت، بدأوا في إدراك أنه إذا كانت قد تمكنت من الهروب بهذه السرعة، فإنها لا بد أن تكون قد وضعت خطة محكمة. كانت إيفا ذكية بما يكفي لتركهم في حالة من الحيرة، لكنها كانت في وضع نفسي صعب، مما جعلهم يتساءلون عما إذا كانت تفكر بعقلانية أم أنها كانت مدفوعة بمشاعر اليأس والغضب فقط.
استمر الجميع في البحث، وفي قلبهم أمل بأن يجدوا إيفا قبل أن يصبح الوقت متأخرًا.
كانت إيفا تتنفس بصعوبة وهي تهرب بين الأزقة، تشعر بأن المدينة بأكملها تطاردها. عندما رأت ويليام يمر من الطريق، تجمدت في مكانها للحظة، لكنها سرعان ما استوعبت أن عليه ألا يراها. اندفعت بسرعة إلى أحد الأزقة الضيقة، على أمل أن تختفي عن الأنظار، لكن سوء الحظ كان لها بالمرصاد.
وجدت نفسها فجأة محاصرة بين مجموعة من الم***فين والسكارى الذين لاحظوا وجود فتاة وحيدة في هذا المكان المعزول. كان أحدهم يقترب منها بخطوات ثقيلة، بينما الآخرون يضحكون بنبرة مريبة. قلبها كان ينبض بسرعة، وعقلها يعمل بأقصى طاقته للبحث عن مخرج.
"أنتِ وحدكِ هنا، أليس كذلك؟" قال أحدهم بابتسامة متسلية، لكن إيفا لم تمنحه أي فرصة. استدارت فورًا واندفعت هاربة قبل أن يتمكن أي منهم من الإمساك بها. سمعت صراخًا غاضبًا خلفها، لكن لم يكن لديها الوقت للنظر إلى الوراء.
خرجت بسرعة إلى شارع رئيسي، وقد ظنت أنها أصبحت في أمان، لكن القدر لعب لعبته مجددًا. لمحت فجأة إيريك وويليام يقفان في الطرف الآخر من الشارع، يتحدثان بينما يمسحان المكان بأعينهما بحثًا عنها. لم يكن هناك وقت للتفكير—عين إيريك التقت بعينها في تلك اللحظة، وتجمدت للحظة.
"وجدناها!" صاح إيريك بسرعة، قبل أن يبدأ بالركض نحوها. أما ويليام، فقد أدار رأسه فورًا ونظر إليها بدهشة، ثم انطلق خلفها دون تردد.
أدركت إيفا أن فرصتها الأخيرة للهرب قد تلاشت.
Waiting for the first comment……
Please log in to leave a comment.